سؤال يطرح نفسه على الساحة،
فبالرغم من كل المحاولات والاجتهادات التربوية؛ لم يخرج لنا القائد الذي نأمله،
والذي تهوي إليه أفئدة الناس. وللإجابة على هذا السؤال سنميز بين مستويين أساسيين:
المستوى الأول: يتحدث عما يختزنه العقل عن
ما يسمى "القائد"، فإذا تحدثنا عن القائد بالألف واللام، يتبادر إلى
الذهن القادة العظام مثل الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون، والقادة
الفاتحون مثل صلاح الدين، وعادة ما يلتفت الناس ويبحثون في فترات الأزمات عن هذا
القائد المنقذ الذي سينتقل بالأمة في منحنى تاريخي معين من حالة الإحباط والفشل
إلى حالة الأمل والنصر.
المستوى الثاني: نتحدث فيه عن القائد بالمعنى
المطروح الآن في العلوم الإدارية والإنسانية بشكل عام، والذي وصفته بعض أدبيات
القيادة بأنه يمتلك الثلاثي التالي:
الرؤية(Vision) والتصور.
الالتزام ((Commitment والجلد على تنفيذ هذا التصور.
المهارات والقدرات الإدارية (Managerial Skills) لإدارة الموارد البشرية والمادية
لإنجاز رؤيته.
وبين هذين المستويين يتحرك العقل، بين مستوى
"القائد" المنقذ، ومستوى "قادة" ناجحين في إطلاق وإدارة
المشاريع المتنوعة.
والمستوى الأول من التفكير حول القائد المنقذ
يقودنا إلى سؤال عن كيفية تولد القيادات في العصور المختلفة، سنجد منحنيات تاريخية
معينة تتبلور فيها ظروف محيطة بهذا الإنسان الذي يقود مجتمعاً ما إلى إحداث
التحولات، فبيئة النبي صلى الله عليه وسلم كانت مهيئة لخروج قائد، فهو من علية
القوم، وفي بيت في قمة الهرم في المجتمع المكي، وتتخذ فيه القرارت مع جده وعمه،
وأتيحت له من فرص العمل والتعرف على المجتمع وطبيعة الصراعات فيه ما زوده
بالمقومات القيادية الأساسية في البيئة الحاضنة وما تزخر به من نماذج البطولات،
واحتكاكه بمتخذي القرار، واطلاعه على القضايا الكبرى المتداولة والميحطة بالمجتمع
المكي، وتوفر فرصة للتجربة العملية والتدريب على الحراك الاجتماعي، كذلك كان
العالم يمر بمنعطف تاريخي يشهد أفول نجم الأمبراطوريتين الفارسية والرومانية،
وانتشرت فكرة في الجزيرة بحلول زمان ظهور دين جديد.
سنشهد ذلك أيضاً مع غاندي وقيادات حركات التحرر
في العالم، وسنلمس تأثير مكونات البيئة التي ساعدت في ظهور هذه الشخصيات بالإضافة
إلى الظرف التاريخي.
إذن مناهج إعداد القادة تمثل عنصراً واحداً من
عناصر الإعداد، وتستطيع أن تقدم شيئاً من التربية القيادية، أما خلق الظروف
المناخية من تكوين أسري ووضع اجتماعي وخبرات متراكمة فهو أمر غير متاح لكل الناس،
وكل ما تستطيعه برامج إعداد القادة أن تعين الجميع على الوصول لأقصى الملكات
القيادية لديهم على مستوى الرؤية والوعي بأهمية الالتزام بالرؤية والمهارات
الضرورية لإدارة وتوجيه البشر، ثم ينطلق كل فرد ليحقق أقصى ما يستطيع في مجال عمله
وحياته، وإذا توفرت له الظروف الأخرى قد تسهم في صناعته كقائد تاريخي.
إننا لا نتحدث عن القيادة في فراغ بدون تحديد
المعنى المقصود من القيادة، فهناك القيادة التاريخية، وهناك القيادات الناجحة التي
أسست مشاريع ونجحت في إدارة أعمالها، وتحقيق نجاحات محدودة في صناعة الحياة،
والمساحتان متداخلتان وليستا متطابقتين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر موقع الدكتور جاسم سلطان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق